كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **


3041 سئل فضيلة الشيخ رحمه الله تعالى ‏:‏ ما الحكم لو كانت الشمس عليها غمام ونشر في الصحف قبل ذلك بأنه سوف يحصل كسوف بإذن الله تعالى في ساعة كذا وكذا فهل تصلى صلاة الكسوف ولو لم ير‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ لا يجوز أن يصلي اعتماداً على ما ينشر في الجرائد، أو يذكر بعض الفلكيين، إذا كانت السماء غيماً ولم ير الكسوف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم علق الحكم بالرؤية، فقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏(‏فإذا رأيتموهما فافزعوا إلى الصلاة‏)‏، ومن الجائز أن الله تعالى يخفي هذا الكسوف عن قوم دون آخرين لحكمة يريدها‏.‏

* * *

4041 سئل فضيلة الشيخ رحمه الله تعالى ‏:‏ هل يجوز للمرأة أن تصلي وحدها في البيت صلاة الكسوف‏؟‏ وما الأفضل في حقها‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ لا بأس أن تصلي المرأة صلاة الكسوف في بيتها؛ لأن الأمر عام‏:‏ ‏(‏فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم‏)‏، وإن خرجت إلى المسجد كما فعل نساء الصحابة، وصلت مع الناس كان في هذا خير‏.‏

* * *

5041 سئل فضيلة الشيخ رحمه الله تعالى ‏:‏ ما السنة في صلاة الكسوف‏؟‏ هل هي في المسجد أم في المصلى‏؟‏ وهل تجب فيها الجماعة‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ السنة في صلاة الكسوف أن يجتمع الناس لها في مسجد الجامع؛ لأنه كلما كثر العدد، كان أقرب إلى الإجابة، وإذا صليت في المساجد الأخرى فلا حرج، وإذا صليت فرادى كما تصليها النساء في بيوتهن؛ فلا حرج أيضاً؛ لعموم قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏(‏صلوا وادعوا‏)‏ ‏.‏

* * *

6041 سئل فضيلة الشيخ رحمه الله تعالى ‏:‏ ما الركن في صلاة الكسوف؛ الركوع الأول أم الثاني‏؟‏ وما الذي يترتب على فوات أحدهما‏؟‏ هل يترتب إعادة الركعة بكاملها أم لا‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ الركن هو الركوع الأول، فإذا فاته؛ فقد فاتته الركعة، فيقضي مثلها إذا سلم الإمام؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا‏)‏ ‏.‏

* * *

7041 سئل فضيلة الشيخ رحمه الله تعالى ‏:‏ من أتم صلاة الكسوف بركوع وسجدتين بعدما سلم الإمام؛ فهل يلزمه إعادة الصلاة أم ماذا يفعل‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ لا يلزمه إعادة الصلاة إذا كان جاهلاً، أما إذا كان عالماً لكنه متلاعب؛ فإن صلاته تبطل‏.‏

* * *

8041 سئل فضيلة الشيخ رحمه الله تعالى ‏:‏ من رفع من الركوع الأول هل يقول‏:‏ سمع الله لمن حمده أم يكبر‏؟‏ وما الدليل على ذلك‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ نعم؛ يقول‏:‏ سمع الله لمن حمده، ولا إشكال في هذا‏.‏ ودليل ذلك حديث عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ ‏(‏خسفت الشمس في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إلى المسجد، فصف الناس وراءه، فكبر فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة طويلة، ثم كبر فركع ركوعاً طويلاً ثم قال‏:‏ ‏(‏سمع الله لمن حمده، بنا ولك الحمد‏)‏ ‏.‏

* * *

9041 وسئل فضيلة الشيخ رحمه الله تعالى ‏:‏ هل تشرع قراءة الفاتحة في كل ركوع في صلاة الكسوف‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ ينبغي أن يكون السؤال‏:‏ هل تُشرع قراءة الفاتحة بعد الركوع الأول‏؟‏

والجواب على ذلك‏:‏ أن قراءة الفاتحة مشروعة؛ كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الواصفين لصلاته لم يقولوا‏:‏ إنه كان لا يقرأ سورة الفاتحة بعد الرفع من الركوع الأول، والعلماء يقولون‏:‏ إن الركن هو الركوع الأول والقراءة التي قبله، وإن الإنسان لو ترك القراءة التي بعد الركوع الأول وقبل الركوع الثاني فلا بأس‏.‏

* * *

0141 سئل فضيلة الشيخ رحمه الله تعالى ‏:‏ هل كسوف الشمس وخسوف القمر لهما نفس صفة الصلاة‏؟‏ وهل يجهر في صلاة كسوف الشمس‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ كسوف الشمس وخسوف القمر حكمهما واحد، ويجهر في صلاة الكسوف والخسوف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جهر حينما كسفت الشمس، فعن عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ ‏(‏جهر النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الخسوف بقراءته‏)‏، وكان ذلك نهاراً‏.‏

* * *

1141 سئل فضيلة الشيخ رحمه الله تعالى ‏:‏ من كبر من الركوع الأول في صلاة الكسوف ولم يقل‏:‏ ‏(‏سمع الله لمن حمده‏)‏؛ ماذا عليه‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ إن ترك قول‏:‏ ‏(‏سمع الله لمن حمده‏)‏ فقد ترك واجباً، وترك الواجب كما هو معلوم يوجب سجود السهو‏.‏

* * *

2141 سئل فضيلة الشيخ رحمه الله تعالى ‏:‏ إذا كان الإنسان جاهلاً بصفة صلاة الكسوف، فدخل مع الإمام بنية أنها ركعتين؛ فهل يؤثر اختلاف النيات على صحة الصلاة‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ لا يؤثر؛ لأن الرجل دخل بنية صلاة الكسوف، لكنه جاهل بكيفيتها، وهذا الجهل لا يضر، فيتبع الإمام، وتصح صلاته‏.‏

* * *

3141 سئل فضيلة الشيخ رحمه الله تعالى ‏:‏ إذا هوى الإمام للسجود بعد الركوع الأول من الركعة الأولى؛ فماذا يفعل‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ إذا ترك الركوع الثاني ناسياً؛ فإنه يكون كترك بقية السنن، فيسن له أن يسجد للسهو، فإن لم يسجد؛ فلا بأس‏.‏

* * *

4141 سئل فضيلة الشيخ رحمه الله تعالى ‏:‏ هل لصلاة الكسوف دعاء خاص‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ لا أعلم لها دعاءً خاصًّا، لكنها صلاة رهبة ودفع شر وبلاء، فينبغي للإنسان أن يكثر فيها من الاستغفار والتوبة إلى الله عز وجل، وسؤال الرحمة، وكما يعلم من التطويل فيها؛ فإن التطويل يحتاج إلى دعاء، فيكرر الإنسان الدعاء من المغفرة والرحمة والعفو وما أشبه ذلك‏.‏

* * *

5141 سئل فضيلة الشيخ رحمه الله تعالى ‏:‏ هل يجوز للإنسان أن يعيد صلاة الكسوف تطوعاً وحده‏؟‏ وبماذا تدرك صلاة الكسوف بالركوع الأول أو الثاني‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ صلاة الكسوف فرض كفاية لا يجوز للمسلمين أن يدعوها، وقال بعض العلماء‏:‏ إنها فرض عين، وإنه يجب على كل واحد أن يصلي صلاة الكسوف، وأكثر العلماء على أنها سنة مؤكدة، فأصح الأقوال أنها فرض كفاية، وأنه لابد أن تصلى، وصلاتها كما هو معلوم لا نظير لها في الصلوات، لأنها تصلى أولاً يكبر ويقرأ الفاتحة، ثم يقرأ قراءة طويلة جداً، ثم يركع ركوعاً طويلاً، ثم يقوم فيقرأ الفاتحة وسورة طويلة، لكن دون الأولى، ثم يركع ويطيل الركوع، ثم يرفع ويطيل القيام، ثم يسجد ويطيل السجود، ثم يرفع ويطيل الجلوس، ثم يسجد ويطيل السجود، ثم يقوم للركعة الثانية، ويفعل كما فعل في الأولى، إلا أنها دونها في كل ما يُفعل ثم يُسلم‏.‏

والمأموم إذا أدرك الركوع الأول فقد أدرك الركعة، وإن فاته الركوع الأول فاتته الركعة، فمثلاً إذا جئت والإمام في الركعة الأولى لكن قد رفع من الركوع الأول فلا تحتسب هذه الركعة، هذه فاتتك، فإذا سلم الإمام فقم وصل واقضِ الركعة الأولى بركوعيها، يعني تقوم ثم تقرأ الفاتحة وسورة، ثم تركع وترفع، ثم تقرأ الفاتحة وسورة، ثم تركع وترفع، ثم تسجد يعني تقضيها على صفة ما فاتك‏.‏

فالقاعدة أن من فاته الركوع الأول فقد فاتته الركعة فيقضيها كلها بركوعيها وسجوديها‏.‏

وإذا انتهت الصلاة وقد بقي الكسوف، فالذي ينبغي أن تبقى في المسجد، أو في بيتك لكن تدعو وتستغفر، وإن شئت فصل ولكن صلاتها جماعة لا تعاد على القول الصحيح‏.‏ حتى لو انصرف الناس قبل أن تنجلي فإنهم لا يعيدون الصلاة جماعة، لكن من شاء أن يصلي وحده حتى ينجلي فلا بأس‏.‏

* * *

6141 سئل فضيلة الشيخ رحمه الله تعالى ‏:‏ من المعلوم أن السنة التطويل في صلاة الكسوف لكن إذا كان يشق على الناس فماذا أصنع‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ نقول افعل السنة، فلست أرحم بالخلق من رسول الحق، صلى الله عليه وسلم، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أطال في صلاة الكسوف إطالة طويلة، حتى إن بعض الصحابة مع قوتهم، ومحبتهم للخير جعل بعضهم يغشى عليه ويسقط من طول القيام، ففي حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال‏:‏ ‏(‏كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم شديد الحر، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه، فأطال القيام حتى جعلوا يخرون‏)‏، ولهذا انصرف النبي عليه الصلاة والسلام من صلاته وقد تجلت الشمس، مع أن كسوفها كان كلياً كما ذكره المؤرخون، وهذا يقتضي أن تبقى ثلاث ساعات أو نحوه والرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقرأ ويصلي، فقرأ قبل الركوع الأول نحواً من قراءة سورة البقرة، كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما ، وقالت عائشة رضي الله عنها ‏:‏ ‏(‏ما سجدت سجوداً قط كان أطول منها‏)‏، وفي حديث أبي موسى رضي الله عنه قال‏:‏ ‏(‏فقام النبي صلى الله عليه وسلم يخشى أن تكون الساعة، فأتى المسجد فصلى بأطول قيام وركوع وسجود رأيته قط يفعله‏)‏، ولم يقل عليه الصلاة والسلام إني سأرحم الخلق، وأقصر وأخفف‏.‏

لذا أفعل السنة، فمن قدر على المتابعة فليتابع، ومن لم يقدر فليجلس ويكمل الصلاة جالساً، وإذا لم يستطع ولا الجلوس كما لو حصر ببول أو غائط فلينصرف‏.‏ أما أن نترك السنة من أجل ضعف بعض المصلين، فهذا غير صحيح‏.‏

* * *

7141 سئل فضيلة الشيخ رحمه الله تعالى ‏:‏ ما الذي يشرع من القرآن لصلاة الكسوف‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ صلاة الكسوف لا يشرع فيها قراءة سورة معينة، بل المشروع فيها الإطالة، لكن لو أتى مثلاً بسور فيها مواعظ كثيرة فالوقت مناسب، وكان بعض مشائخنا يستحب أن يقرأ سورة الإسراء، لأن فيها آيات مناسبة منها قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِالأَْيَتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَْوَّلُونَ وَءَاتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالأَْيَتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا ‏}‏‏.‏ المهم أنه يقرأ ما تيسر، ولكن يطيل القراءة، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

* * *

8141 سئل فضيلة الشيخ رحمه الله تعالى ‏:‏ ما هو الراجح في صفة صلاة الكسوف والخسوف‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ الراجح في صفتها ما ثبت في ‏(‏الصحيحين‏)‏ من حديث عائشة رضي الله عنها‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين، في كل ركعة ركوعان وسجودان، وأطال فيهما في القراءة، والقيام، والقعود، والركوع، والسجود، ولكنه جعل كل ركعة أطول من التي بعدها‏.‏

* * *

9141 سئل فضيلة الشيخ رحمه الله تعالى ‏:‏ من فاته الركوع لأول من الركعة الثانية ماذا يفعل‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ الذي يفوته الركوع الأول من الركعة الثانية، أو الأولى تكون هذه الركعة قد فاتته، وإذا فاته الركوع الأول من الركعة الثانية؛ فقد فاتته صلاة الكسوف كلها مع الإمام، ولكنه إذاسلم الإمام يقوم فيأتي بركعتين في كل ركعة ركوعان وسجودان‏.‏

* * *

0241 سئل فضيلة الشيخ رحمه الله تعالى ‏:‏ متى تشرع صلاة الكسوف والخسوف‏؟‏ إذا كان جزئياً أي‏:‏ في بدايته أم إذا كان كليًّا‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ إذا رأى الكسوف سواء كان كليًّا أو جزئيًّا فإنه يفزع إلى الصلاة، ولا يتأخر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك حين رأى الكسوف وأمر به، ولا يشترط أن يبقى حتى يكمل؛ لأنه أمر غير معلوم؛ ولأن قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏(‏إذا رأيتموهما‏)‏ يشمل الكسوف الجزئي والكلي، فينادى للصلاة‏:‏ الصلاة جامعة؛ لتجمع الناس، والأفضل أن يكونوا في مساجد الجمعة؛ لأن ذلك أكثر للعدد، وأقرب للإجابة، ولهذا نص العلماء رحمهم الله على أنه يسن الاجتماع لصلاة الكسوف أو الخسوف في الجامع، ولا حرج أن يصلي كل حي في مسجده الخاص؛ لأن الأمر في هذا واسع‏.‏

* * *

1241 سئل فضيلة الشيخ رحمه الله تعالى ‏:‏ ما الحكمة من صلاة الكسوف‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ الحكمة من صلاة الكسوف متعددة الجوانب‏:‏

أولاً‏:‏ امتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم، فلقد أمرنا أن نفزع إلى الصلاة‏.‏

ثانياً‏:‏ اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد صلاها‏.‏

ثالثاً‏:‏ التضرع إلى الله عز وجل؛ لأن هذا الكسوف، أو الخسوف يخوف الله به العباد من عقوبة انعقدت أسبابها، فيتضرع الناس لربهم عز وجل؛ لئلا تقع بهم هذه العقوبة التي أنذر الله الناس بها بواسطة الكسوف أو الخسوف‏.‏

* * *

2241 سئل فضيلة الشيخ رحمه الله تعالى ‏:‏ هل لصلاة الكسوف والخسوف أذان وإقامة‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ ليس لها أذان ولا إقامة، بل ينادى لها‏:‏ الصلاة جامعة؛ نداء مكرراً، بحيث يعلم الناس بهذا، فإن الشمس لما كسفت على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نودي ‏(‏الصلاة جامعة‏)‏ ‏.‏

* * *

3241 سئل فضيلة الشيخ رحمه الله تعالى ‏:‏ من فاتته ركعة من صلاة الخسوف فكيف يقضيها‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ من فاتته ركعة في صلاة الخسوف فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاتموا‏)‏ فهذا الذي فاتته ركعة من الخسوف يتمها على حسب ما صلاها الإمام لعموم قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏فأتموا‏)‏ ‏.‏

وهذا السؤال يتفرع عليه سؤال أكثر إشكالاً عند كثير من الناس وهو فيمن فاته الركوع الأول في الركعة‏؟‏

فمن فاته الركوع الأول من الركعة فقد فاتته الركعة، وبعدما يسلم الإمام يقضي الركعة التي فاته ركوعها الأول كلها لعموم قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏وما فاتكم فأتموا‏)‏ ‏.‏

* * *

4241 سئل فضيلة الشيخ رحمه الله تعالى ‏:‏ هل يسن للإمام بعد الفراغ من صلاة الكسوف أن يخطب‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ نعم يسن أن يخطب خطبة واحدة يذكر الناس، ويرقق قلوبهم، ويخوفهم من عذاب الله تعالى، ويحثهم على التوبة؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما انتهى من صلاة الكسوف قام فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال‏:‏ أما بعد؛ ثم وعظ الناس، وهذه صفات الخطبة‏.‏

* * *

5241 سئل فضيلة الشيخ رحمه الله تعالى ‏:‏ هل يجوز للإمام أن يصلي الكسوف مرتين متتاليتين لأنه أنهى صلاته الأولى والقمر مازال كاسفاً‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ المشهور عند أهل العلم أن صلاة الكسوف لا تكرر، ولكن ينبغي للإمام أن يلاحظ مدة الكسوف فيجعل الصلاة مناسبة، فإن كانت قصيرة قصر لصلاة، ويعلم هذا بما نسمع عنه الان مما يقرر قبل حدوث الكسوف بأن الكسوف سيبدأ في الدقيقة كذا من الساعة كذا، إلى الدقيقة كذا في الساعة كذا، فينبغي للإمام أن يلاحظ ذلك، وإذا فرغت الصلاة قبل انجلاء الكسوف فليتشاغلوا بالدعاء والذكر حتى ينجلي، ثم إنه ينبغي للإمام إذا انتهى من صلاة الكسوف أن يعظ الناس اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولتكن موعظته موعظة واعظ يذكر فيها الجنة والنار، ويحذر من الأسباب التي توجب دخول النار‏.‏

6241 سئل فضيلة الشيخ رحمه الله تعالى ‏:‏ لو كسفت الشمس وحال دونها سحاب، فشك في انجلائها، ماذا يفعل‏؟‏ هل يستمر في صلاته أم يقطعها‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ إذا كانت الشمس كاسفة وسط غيم؛ فالأصل بقاء الخسوف حتى يغلب على ظنه أنها قد انجلت، هذا إذا لم يكن معلوماً؛ حيث صار الناس في هذا الزمن يدرون متى يبتدىء الكسوف ومتى ينجلي، لكن مع ذلك لا يعمل به إذا لم يره، أما إذا رآه وكان قد علم أنه سيبقى ساعة أو ساعتين؛ فلا حرج من العمل بذلك؛ لأنه أمر أصبح يقيناً يدرك بالحساب، لكنه لو فرض أن غيمت السماء في ذلك اليوم، ولم يروا ا لكسوف؛ فإنهم لا يصلون صلاة الكسوف اعتماداً على ما قيل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم علقه بالرؤية‏.‏

* * *

7241 سئل فضيلة الشيخ رحمه الله تعالى ‏:‏ هل يجوز للإنسان أن يخبر المصلين وهم أثناء صلاة الكسوف بأن القمر أو الشمس زال كسوفهما وانجليا‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ لا حرج على شخص دخل ووجد ناساً يصلون الكسوف، أو الخسوف أن يخبرهم أنه انجلى؛ لأن في ذلك إخباراً بزوال مقتضى الصلاة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن نصلي وندعوا حتى ينكشف‏.‏

* * *

8241 سئل فضيلة الشيخ رحمه الله تعالى ‏:‏ ما الذي يشرع للمصلين إذا أخبروا بانجلاء الكسوف هل يقطعون الصلاة‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ يتمون صلاة الكسوف، أو الخسوف خفيفة‏.‏

* * *

9241 وسئل فضيلة الشيخ رحمه الله تعالى ‏:‏ إذا صليت صلاة الكسوف ولم تنجل الشمس؛ فهل تكرر صلاة الكسوف أم يشتغل بذكر الله؛ من قراءة القرآن وغيره‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ لا تكرر صلاة الكسوف إذا انتهت قبل الانجلاء، وإنما يصلي نوافل كالنوافل المعتادة، أو يدعو ويستغفر ويشتغل بالذكر حتى ينجلي‏.‏

* * *

0341 سئل فضيلة الشيخ رحمه الله تعالى ‏:‏ إذا كسفت الشمس بعد العصر فهل تصلى صلاة الكسوف‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ إذا كسفت الشمس بعد العصر فتصلى صلاة الكسوف لعموم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم‏:‏ ‏(‏إذا رأيتم ذلك فصلوا‏)‏ وهذا يشمل كل وقت، ولأن كل صلاة لها سبب فإنها تصلى حيث وجد السبب، كما دلت عليه السنة‏.‏

* * *

1341 وسئل فضيلة الشيخ رحمه الله تعالى ‏:‏ إذا خسف القمر بعد صلاة الفجر فهل تصلى صلاة الخسوف‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ نعم تصلى لما تقدم في الجواب السابق إلا إذا لم يبق على طلوع الشمس إلا قليلاً لأنه قد ذهب سلطان القمر حينئذ فلا يصلى‏.‏

* * *

2341 وسئل فضيلة الشيخ رحمه الله تعالى ‏:‏ إذا حدث زلازل وصواعق ورياح شديدة خارجة عن العادة فهل يشرع لها صلاة‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ يرى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أن يصلى لذلك، والعلم عند الله عز وجل‏.‏

* * *

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة صلاة الكسوف

51/7/0141ه

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله الله تعالى بالهدى ودين الحق، رحمة للعالمين، وقدوة للعاملين، وحجة على من أرسله إليهم أجمعين، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده بأنواع الجهاد المختلفة، بالمال، والبدن، والعلم والسلاح، وترك أمته على محجة بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، وقيض الله له خير أهل الأرض منذ خلق آدم بعد النبيين عليهم الصلاة والسلام، فتلقوا رسالته وأدوها إلى أمته صافية خالصة في كتاب الله، وفيما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،أرسله الله تعالى على حين فترة من الرسل بعد أن نظر الله تعالى إلى أهل الأرض فمقتهم أبغضهم أشد البغض إلا بقيًّا من أهل الكتاب، بعثه الله في زمن جاهلية جهلاً، لا يعرفون حقًّا للخالق، ولا رحمة بالمخلوق، لقد كان من قصص هؤلاء الجاهليين أن الواحد منهم يعبد الشجر والحجر، يخبت إليه وينيب إليه كما ينيب ويخبت لرب العالمين، حتى كان الواحد منهم يصنع التمثال من التمر ويعبده، فإذا جاع أكله، يا لها من عقول ما أسفهها وأضلها، وكان من جملة ما يعتقدونه أنه إذا كسفت الشمس أو خسف القمر لا يكون ذلك إلا لموت عظيم فقدر الله عز وجل بحكمته وعزته ورحمته أنه في اليوم التاسع والعشرين من شهر شوال سنة عشر من الهجرة مات إبراهيم بن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي عن ابنه إبراهيم، مات في ذلك اليوم في التاسع والعشرين من شهر شوال سنة عشر من الهجرة، فقال الناس بناء على العقيدة السابقة، قالوا‏:‏ كسفت الشمس لموت إبراهيم، ولكن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كسفت الشمس حين ارتفعت قدر رمح في أول النهار وصارت كأنها قطعة نحاس كسوفاً كليًّا، خرج النبي صلى الله عليه وسلم فزعاً يجر رداءه بعد أن لحقوه به عليه الصلاة والسلام، وأمر فنودي في الناس‏:‏ الصلاة جامعة، فاجتمع المسلمون على رسولهم محمد صلى الله عليه وسلم ما بين رجال ونساء فصلى بهم تلك الصلاة الطويلة الغريبة التي ليس لها نظير في الصلوات، صلى بهم عليه الصلاة والسلام صلاة طويلة، حتى إن منهم من سقط مغشياً عليه من طول القيام، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم في مقامه يتلو كتاب الله يخبت إلى الله عز وجل؛ لأن هذه آية عظيمة يخوف الله بها العباد، وينذرهم من سخط انعقدت أسبابه، لأن هذا إنذار من الله سبحانه وتعالى لعباده كما قال من لا ينطق عن الهوى، قال عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏(‏إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته‏)‏ ومن في الأرض حتى تتغير له الأفلاك‏؟‏‏!‏ حتى تنكسف الشمس أو القمر لموته أو حياته‏؟‏‏!‏ لن تنكسف الشمس والقمر لموت أحد ولا لحياته، ولكن من حكمة الله أن الشمس كسفت في ذلك اليوم الذي مات فيه ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتبين للناس أن الشمس لا تنكسف لموت أحد ولا لحياته، ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم في تلك الصلاة العظيمة، وذلك القيام الطويل، والركوع والسجود الطويلين، والقيام بعد الركوع، والقعود بين السجدتين الطويلين، عرضت عليه وهو قائم الجنة والنار، حتى رآه الصحابة يتقدم ليأخذ عنقوداً من الجنة، ولكن لم يكن له ذلك لحكمة أرادها الله، قال عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏(‏لو تناولته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا‏)‏ ثم رأوه صلى الله عليه وسلم تأخر وهو في صلاته حين عرضت عليه النار فخاف من لفحها صلوات الله وسلامه عليه، ورأى فيها من يعذب، كل ذلك حق اليقين، رآه صلوات الله وسلامه عليه من شدة الأمر الذي نزل، ولما فرغ من الصلاة خطب خطبة عظيمة بليغة، فقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏(‏يا أمة محمد، والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته، يا أمة محمد لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً‏)‏، ‏(‏ولما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله عز وجل‏)‏ ‏.‏ هكذا قال عليه الصلاة والسلام، وتأملوا أيها الأخوة قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته‏)‏ ليتبين لكم أن الزنا من أكبر أسباب عقاب الله، وغضب الله الذي ينذر الله العباد منه في هذا الكسوف والخسوف، وإننا في هذا العصر أيها المسلمون كما نشاهد الكسوفات كثيرة، والخسوفات كثيرة، وما ذاك إلا من أجل كثرة الذنوب، ولاسيما الزنا والدعارة وأسبابهما، من وسائل الإعلام المقروءة، والمسموعة، والمشاهدة، تلك الوسائل التي ضل فيها كثير من الناس، والتي خدعنا بها أعدائنا؛ لأنهم يعلمون أن الأمة الإسلامية إذا لم يكن لها هم إلا بطنها وفرجها فإنها تضيع وتبقى هائمة على وجهها، لا يخاف منها أحد، لكن لو أن الأمة الإسلامية أخذت بتعاليم الدين وأخذت بجدية الدين، وأخذت بالعمل المثمر النافع لهابها أعدائها، ولقد قدم أبو سفيان إلى الشام لتجارته بين صلح الحديبية وفتح مكة، ولما سمع بهم هرقل وكان رجلاً ذكيًّا وليس بعاقل لكنه ذكي لما سمع بهم دعاهم ليسألهم عن نبينا صلى الله عليه وسلم، عما يدعو إليه، وعن سيرته، وعن أتباعه، فجعل يسأل أبا سفيان أسئلة عارف بالنبوات، فسأله عن نبينا صلى الله عليه وسلم عن دعوته وخلقه، وسيرته، وأصحابه، ثم قال بعد ذلك‏:‏ ‏(‏إن كان ما تقوله حقًّا فسيملك ما تحت قدمي هاتين، ولو أرجو أن أخلص إليه لتجشمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت قدميه‏)‏ من يقوله‏؟‏ يقوله هرقل ملك الروم التي تعتبر في ذلك اليوم أعظم دولة، يقول‏:‏ ‏(‏إن كان حقًّا ما تقوله فسيملك ما تحت قدمي هاتين‏)‏ ‏.‏ ولما خرج أبو سفيان قال لأصحابه‏:‏ لقد أمِرَ أمْرُ ابنِ أبي كَبْشَة يعني النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم يكنونه بهذه الكنية تعييراً له‏.‏ ‏(‏لقد أمِرَ أمْرُ ابنِ أبي كبشَةَ إنه ليخافه ملك بني الأصفر‏)‏ وصحيح عظم أمر النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان يخافه ملك بني الأصفر ملك الروم، ومع هذا لم تمض إلا سنوات غير كثيرة حتى ملكت أمة محمد صلى الله عليه وسلم ما تحت قدمي هرقل، ملكت ذلك بدين محمد صلى الله عليه وسلم لا بقوتها، ولا بعروبتها، ولا بقوميتها، ولا بجعاجعها، ولا بكلامها الكثير الطويل العريض الذي لا يجدي شيئاً، إنما ملكت ذلك بقوتها وإيمانها، وكونها تقاتل في سبيل الله، لا تقاتل لقومية عربية، ولا لقومية فارسية، ولا لقومية رومية، وإنما تقاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فما مضى إلا زمن يسير حتى سقطت عروش ملوك الفرس، وملوك الروم ولله الحمد، ووالله ما كان بالأمس ليكونن اليوم لو رجعنا إلى ديننا حقيقة، لو رجعنا رعاة ورعية إلى ديننا حقيقة لملكنا ما تحت أقدام هؤلاء الكفرة ورؤسائهم، ولكن مع الأسف هم يخوفوننا بقوتهم المادية، ونحن نخاف ولكن يقول الله عز وجل‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَنُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ ‏}‏ أسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيد للأمة الإسلامية مجدها، والواقع أننا ولله الحمد مستبشرون بما حصل من اليقظة لشباب المسلمين، ولا شك أن هذه بشرى وهي بحول الله من بشائر النصر، ولكن يجب علينا أن تكون مسيرتنا مسيرة تؤدة وحكمة وتأني، وأن لا نجابه مجابهة تؤدي إلى قمع هذه اليقظة وإلى إماتتها، أو إنامتها، يجب أن نكون متحركين ولكن بهدوء وحكمة، وأنا أجزم وأنتم كذلك تجزمون أنه إذا عرض الإسلام بمعناه الحقيقي إذا عرض على أي إنسان فإنه سيقبله؛ لأن الإسلام دين الفطرة كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِى فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ‏}‏ لكن قد يشوه الإسلام بعض من يعرضه ويأتي بالعنف أمام أناس جهلاء، وهم وإن كانوا ذوي علم، لكنهم في الحقيقة جهلة عندهم جهالة لا جهل، سفاهة لا حلم، لكن إذا عرض عليهم الإسلام عرضاً مطمئناً هادئاً فسوف يكون له أثره، أما الكلام وكثرة الكلام بلا عمل، وبلا فائدة فإنها ضرر محض تخدير في الواقع، هي تخدير وليست تقدماً، وليست حركة، إنما المسلمون اليوم بحاجة إلى أن يتحركوا، وإذا قاموا لله فإن الله تعالى ينصرهم، وإذا نصرهم الله فلا غالب لهم أبداً ‏{‏يأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِن تَنصُرُواْ اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ * وَالَّذِينَ كَفَرُواْ فَتَعْساً لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَلَهُمْ‏}‏‏.‏ تعساً أي خيبة وخسارة، فعملهم ضال ضائع لا فائدة منه، لكن بشرط أن يكون أمامهم مسلمون حقيقة، تصدق أفعالهم أقوالهم، أسأل الله تعالى أن ينصر دينه، وأن ينصر دينه بنا، وأسأله سبحانه وتعالى أن يقينا أسباب سخطه وعقابه، وأن يجعلنا ممن يتعظون بآياته إنه الجواد الكريم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين‏.‏

* * *

خطبة صلاة الكسوف

51/5/8141ه

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخليله وأمينه على وحيه، أرسله الله تعالى بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه، وسراجاً منيراً، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين‏.‏ وأسأل الله في هذه الساعة العظيمة أن يجعلني وإياكم من أتباعه، ومن أنصار دينه، وممن يحشرون في زمرته إنه على كل شيء قدير‏.‏

أيها الإخوة‏.‏‏.‏ كسفت الشمس في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كسوفاً كلياً في التاسع والعشرين من شهر شوال من السنة العاشرة من الهجرة، وكان ذلك اليوم هو اليوم الذي توفي فيه إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان عند أهل الجاهلية عقيدة فاسدة أن الشمس والقمر ينخسفان إذا مات عظيم، أو ولد عظيم، ولما كسفت خرج النبي صلى الله عليه وسلم فزعاً يجر ردائه، فأمر المنادي ينادي‏:‏ الصلاة جامعة، فاجتمع المسلمون ذكوراً وإناثاً فصلى بهم صلوات الله وسلامه عليه صلاة لا نظير لها في الشريعة الإسلامية، صلاها كما صليناها الان، ركعتين في كل ركعة ركوعان، وأطال فيها إطالة عظيمة حتى كان بعض الصحابة يسقطون من طول القيام، وهو صلى الله عليه وسلم ثابت، عرضت عليه الجنة، وعرضت عليه النار، ورأى أهلها يعذبون فيها، ولم ير منظراً أفظع من ذلك المنظر في ذلك اليوم؛ لأن كسوف الشمس والقمر ليس بالأمر الهين، إنه منذر بعقوبة من الله عز وجل، فلما فرغ من صلاته صلوات الله وسلامه عليه قام في الناس فخطب خطبة عظيمة بليغة، قال فيها‏:‏ ‏(‏إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، يخوف الله بهما عباده، وإنهما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما فافزعوا إلى ذكر الله، وكبروا، واستغفروا، وتصدقوا، وصلوا‏)‏، بل أمر بالعتق، وهذا مما يدل على أنه حدث عظيم، وأنه ليس كما يظن الجاهلون مجرد حدث طبيعي، لا والله، هو لا شك أن له أسباباً طبيعية، لكن الذي خلق هذه الأسباب هو الله عز وجل، هو الذي خلق هذه الأسباب يخوف عباده حتى يرجعوا إلى ربهم عز وجل للقيام بطاعته وترك معاصيه، ونص النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الخطبة على أمر وقع فيه الكثير من الناس اليوم إلا من شاء الله ألا وهو الزنى، فقال‏:‏ ‏(‏يا أمة محمد، والله ما من أحد أغير من الله من أن يزني عبده أو تزني أمته‏)‏ ‏.‏ والزنى يوجد الان في بعض البلاد الإسلامية علناً، تعرض النساء الفتيات أنفسهن على الراغبين في الزنى، بل بلغنا أنه يعمل بالفتيان عمل قوم لوط، نسأل الله العافية، هذا وإن لم يكن موجوداً في بلادنا ولله الحمد، لكن وسائله موجودة‏:‏ الإعلام الخبيث، الصحف الخبيثة، المجلات الخبيثة، الجرائد الخبيثة ترد إلى بلادنا من كل فج وفي كل حين، فيها مما يغضب الله عز وجل، ومما لا يرضى به العاقل فضلاً عن المؤمن، نسأل الله تبارك وتعالى أن يكفينا شره إنه كل كل شيء قدير‏.‏

وسائل الإعلام هدمت الأخلاق، لقد قيل لي‏:‏ إنه يشاهد في بعض القنوات الفضائية، يشاهد ركوب الرجل على المرأة علناً عراة، أترون شيئاً أقبح من هذا‏؟‏‏!‏ لا أقبح من هذا، ولذلك يا أخوان يجب أن نتعاون على القضاء على هذه الفتنة؛ لأنها والله إذا انتشرت بين فتياتنا وفتياننا فستنقلب الأمة إلى أمة بهيمية، أعداؤكم الكفار من اليهود والنصارى الذين بعضهم أولياء بعض لا يدعونكم إلى عبادة غير الله، لا يقولون اعبدوا اللات، اعبدوا العزى، اعبدوا مناة، اعبدوا هبل، لكن يدعونكم بهذه الوسائل الخبيثة التي تدمر أخلاقكم، وإذا دمرت الأخلاق دمرت عقائدكم؛ لأن الإنسان يصبح بهيميًّا ليس له إلا شهوة فرجه وبطنه، وهم أذكياء عندهم دراسة، درسوا علم النفس، ودرسوا علم الأخلاق، يعرفون ما لا تعرفون من هذه الأمور، إنهم يشعلون الشرر فتكون سعيراً، ولكن مع الأسف أن بعضنا عنده من الغباوة، وعنده من الجهل، وعنده من ضعف الإيمان، وعنده ضعف في الشخصية مما جعله ذنباً لهؤلاء المستعمرين، وهم لم يستعمروا بلادنا استعماراً بالسلاح، ولكن استعمروا القلوب، وهذه من الأمور أعني تولي مثل هؤلاء من الأمور التي يعاقب عليها والتي ربما تكون من أسباب هذا الخسوف الكلي العظيم إنذاراً من الله عز وجل أن نستمر في معصيته وأن نغفل‏.‏

يا إخوان‏:‏ الإسلام دين بارز يجب أن تكون له حريته، وأن لا يكون هذا خاضع لغيره، ‏{‏قُلْ هَذِهِ سَبِيلِى أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِى وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ‏}‏‏.‏ ثم إني أوصيكم بإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، ومراعاة الأولاد وتأديبهم تأديباً حسناً؛ لأنه مسؤول عنهم كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏يأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ‏}‏‏.‏ وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم‏:‏ ‏(‏الرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته‏)‏ انظروا إلى أولادكم هل عندهم مجلات خليعة‏؟‏ هل يشاهدون أشياء غير طيبة‏؟‏ ماذا يعملون‏؟‏ من عنده شيء من هذه المجلات، أو الصحف التي فيها ما يحلل الأخلاق، ويفسد الأفكار فعليه أن يقوم بإحراقها وأن يشوهها‏.‏

أسأل الله لي ولكم السلامة، وأن يجعل أفعالنا خيراً من أقوالنا، وقلوبنا خيراً من ظواهرنا، إنه على كل شيء قدير، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبيه محمد وآله وأصحابه أجمعين‏.‏ غفر الله لنا ولكم‏.‏

* * *

خطبة في صلاة الكسوف

الحمد لله الملك القهار، العظيم الجبار، خلق الشمس والقمر، وسخر الليل والنهار، وأجرى بقدرته السحاب يحمل بحار الأمطار، فسبحانه من إله عظيم خضعت له الرقاب، ولانت لقوته الصعاب، توعد بالعقوبة من خرج عن طاعته ‏{‏وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً ‏}‏‏.‏ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه، وعلى آله، وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان‏.‏

أما بعد‏:‏ أيها الناس اتقوا الله واشكروه على ما سخر لكم من مخلوقاته، فلقد سخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه‏.‏ ‏{‏اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ السَّمَوَتِ وَالأَْرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِىَ فِى الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَرَ * وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ‏}‏‏.‏

سخر لكم الشمس والقمر دائبين لتعلموا بمنازل القمر عدد السنين والحساب، ولتتنوع الثمار بمنازل الشمس بحسب الفصول والأزمان‏.‏ سخرهما يسيران بنظام بديع، وسير سريع ‏{‏الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ ‏}‏ لا يختلفان علواً ولا نزولاً، ولا ينحرفان يميناً ولا شمالاً، ولا يتغيران تقدماً ولا تأخراً عما قدر الله تعالى لهما في ذلك ‏{‏صُنْعَ اللَّهِ الَّذِى أَتْقَنَ كُلَّ شَىْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ‏}‏‏.‏ فالشمس والقمر آيتان من آيات الله الدالة على كمال علمه وقدرته، وبالغ حكمته، وواسع رحمته، آيتان من آياته في عظمهما، آيتان من آياته في نورهما وإضاءتهما ‏{‏وَالشَّمْسُ تَجْرِى لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالعُرجُونِ الْقَدِيمِ * لاَ الشَّمْسُ يَنبَغِى لَهَآ أَن تدْرِكَ القَمَرَ وَلاَ الَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِى فَلَكٍ يَسْبَحُونَ‏}‏‏.‏

لقد أرجف الماديون بصانعي الأقمار الصناعية وعظموها وأنزلوهم المنزلة العالية مع حقارة ما صنعوا، وخلله، وتلفه، وغفلوا عن تعظيم من خلق صانعي هذه الأقمار، وعلمهم كيف يصنعونها، وخلق لهم موادها ويسرها لهم‏.‏ غفلوا عن تعظيم من خلق الشمس والقمر دائبين آناء الليل والنار، وأعرضوا عن التفكر فيما فيهما من القدرة العظيمة، والحكمة البالغة لذوي العقول والأبصار‏.‏

إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، مخلوقان من مخلوقات الله، ينجليان بأمره وينكسفان بأمره، فإذا أراد الله تعالى أن يخوف عباده من عاقبة معاصيهم ومخالفاتهم كسفهما باختفاء ضوئهما كله أو بعضه، إنذاراً للعباد، وتذكيراً لهم لعلهم يحدثون توبة، فيقومون بما يجب عليهم من أوامر ربهم، ويبعدون عما حرم عليهم من نواهي الله عز وجل، ولذلك كثر الكسوف في هذا العصر فلا تكاد تمضي السنة حتى يحدث كسوف في الشمس، أو القمر، أو فيهما جميعاً، وذلك لكثرة المعاصي والفتن في هذا الزمن، فلقد انغمس أكثر الناس في شهوات الدنيا ونسوا أهوال الاخرة، وأترفوا أبدانهم، وأتلفوا أديانهم، أقبلوا على الأمور المادية المحسوسة، وأعرضوا عن الأمور الغيبية الموعودة التي هي المصير الحتمي والغاية الأكيدة ‏{‏فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن يَوْمِهِمُ الَّذِى يُوعَدُونَ ‏}‏‏.‏

أيها الناس إن كثيراً من أهل هذا العصر تهاونوا بأمر الكسوف فلم يقيموا له وزناً، ولم يحرك منهم ساكناً، وما ذاك إلا لضعف إيمانهم وجهلهم بما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، واعتمادهم على ما علم من أسباب الكسوف الطبيعية، وغفلتهم عن الأسباب الشرعية، والحكمة البالغة التي من أجلها يحدث الله الكسوف بأسبابه الطبيعية‏.‏

فالكسوف له أسباب طبيعية يقرّ بها المؤمنون والكافرون، وله أسباب شرعية يقر بها المؤمنون، وينكرها الكافرون، ويتهاون بها ضعيفوا الإيمان فلا يقومون بما أمرهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفزع إلى الصلاة، والذكر، والدعاء، والاستغفار، والصدقة، والعتق‏.‏

لقد كسفت الشمس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مرة واحدة في آخر حياته في السنة العاشرة من الهجرة حين مات ابنه إبراهيم رضي الله عنه، بعد أن ارتفعت بمقدار رمحين، أو ثلاثة من الأفق وذلك في يوم شديد الحر، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فزعاً إلى المسجد، وأمر منادياً ينادي‏:‏ الصلاة جامعة، فاجتمع الناس في المسجد رجالاً ونساء، فقام فيهم النبي صلى الله عليه وسلم وصفوا خلفه، فكبر وقرأ الفاتحة وسورة طويلة بقدر سورة البقرة، يجهر بقراءته، ثم ركع ركوعاً طويلاً جداً، ثم رفع وقال‏:‏ سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ثم قرأ الفاتحة وسورة طويلة، لكنها أقصر من الأولى، ثم ركع ركوعاً طويلاً دون الأول، ثم رفع وقال‏:‏ سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، وقام قياماً طويلاً نحو ركوعه، ثم سجد سجوداً طويلاً جداً نحواً من ركوعه، ثم رفع وجلس جلوساً طويلاً، ثم سجد سجوداً طويلاً، ثم قام إلى الركعة الثانية فصنع مثل ما صنع، لكنها دونها في القراءة، والركوع، والسجود والقيام، ثم تشهد وسلم، وقد تجلت الشمس، ثم خطب خطبة عظيمة بليغة، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال‏:‏ ‏(‏أما بعد، فإن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، يخوف الله بهما عباده فينظر من يحدث منهم توبة، وإنهما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة، وإلى ذكر الله، ودعائه، واستغفاره‏)‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏فادعوا الله، وكبروا، وتصدقوا، وصلوا حتى يفرج الله عنكم‏)‏ ‏.‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏حتى ينجلي‏)‏، وقال‏:‏ ‏(‏يا أمة محمد والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده، أو تزني أمته، يا أمة محمد لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً‏)‏، وأيم الله يعني والله لقد رأيت منذ قمت أصلي ما أنتم لاقوه من أمر دنياكم وآخرتكم، ما من شيء لم أكن رأيته إلا رأيته في مقامي هذا، حتى الجنة والنار، رأيت النار يحطم بعضها بعضاً، فلم أر كاليوم منظراً قط أفظع، ورأيت فيها عمرو بن لحي الخزاعي يجر قُصبه يعني أمعاءه ورأيت فيها امرأة تعذب في هرة لها، ربطتها فلم تطعمها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض، ولقد أوحي إلي أنكم تفتنون في قبوركم كفتنة الدجال، يؤتى أحدكم فيقال‏:‏ ما عِلمُك بهذا الرجل، فأما المؤمن، أو الموقن فيقول‏:‏ محمد رسول الله جاءنا بالبينات والهدى فأجبنا وآمنا واتبعنا، فيقال‏:‏ نم صالحاً، فقد علمنا إن كنت لموقناً، وأما المنافق أو المرتاب فيقول‏:‏ لا أدري سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته‏)‏، ثم ذكر الدجال وقال‏:‏ ‏(‏لن تروا ذلك حتى تروا أموراً يتفاقم شأنها في أنفسكم، وتساءلون بينكم هل كان نبيكم ذكر لكم منها ذكرا‏؟‏ وحتى تزول جبال عن مراتبها‏)‏ ‏.‏

أيها المسلمون‏:‏ إن فزع النبي صلى الله عليه وسلم للكسوف، وصلاته هذه الصلاة، وعرض الجنة والنار عليه فيها، ورؤيته لكل ما نحن لاقوه من أمر الدنيا والاخرة، ورؤيته الأمة تفتن في قبورها، وخطبته هذه الخطبة البليغة، وأمره أمته إذا رأوا كسوف الشمس أو القمر أن يفزعوا إلى الصلاة، والذكر، والدعاء، والاستغفار، والتكبير، والصدقة، بل أمر بالعتق أيضاً‏.‏ إن كل هذه لتدل على عظم الكسوف، وأن صلاة الكسوف مؤكدة جداً، حتى قال بعض العلماء‏:‏ إنها واجبة، وإن من لم يصلها فهو آثم، فصلوا أيها المسلمون رجالاً ونساء عند كسوف الشمس أو القمر كما صلى نبيكم صلى الله عليه وسلم ركعتين، في كل ركعة ركوعان وسجودان بقراءة جهرية‏.‏ ومن فاتته الصلاة مع الجماعة فليقضها على صفتها، ومن دخل مع الإمام قبل الركوع الأول فقد أدرك الركعة، ومن فاته الركوع الأول فقد فاتته الركعة لأن الركوع الثاني لا تدرك به الركعة‏.‏

وفقني الله وإيكم لتعظيمه والخوف منه، ورزقنا الاعتبار بآياته، والانتفاع بها، إنه جواد كريم‏.‏

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم‏.‏